فصل
في عصمة الله تعالى له من الناس
و قال الله تعالى : والله يعصمك من الناس [ سورة المائدة / 5 ، الآية : 67 ] .
و قال تعالى : واصبر لحكم ربك فإنك بأعيننا [ سورة الطور / 52 ، الآية : 48 ] .
و قال : أليس الله بكاف عبده [ سورة الزمر /39 ، الآية : 36 ] .
و قيل : بكاف محمداً صلى الله عليه و سلم أعداءه المشركين . و قيل غير هذا .
و قال : إنا كفيناك المستهزئين [ سورة الحجر / 15 ، الآية : 95 ] .
و قال : وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك أو يقتلوك أو يخرجوك ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين [ سورة الأنفال / 8 ، الآية : 30 ] .
أخبرنا القاضي الشهيد أبو علي الصدفي بقرائتي عليه ، و الفقيه الحافظ أبو بكر محمد عبد الله المعافري ، قالا : حدثنا أبو الحسن الصيرفي ، قال : حدثنا أبو يعلى البغدادي ، حدثنا أبو علي السنجي ، حدثنا أبو العباس المروزي ، حدثنا أبو عيسى الحافظ ، حدثنا عبد بن حميد ، حدثنا مسلم بن إبراهيم ، حدثنا الحارث بن عبيد ، عن سعيد الجريري ، عن عبد الله بن شفيق ، عن عائشة رضي الله عنها ، قالت : كان النبي صلى الله عليه و سلم يحرس حتى نزلت هذه الآية : والله يعصمك من الناس ـ فأخرج رسول الله صلى الله عليه و سلم رأسه من القبة ، فقال لهم : يأيها الناس ، انصرفوا ، فقد عصمني ربي عز وجل .
و روى أن النبي صلى الله عليه و سلم كان إذا نزل منزلاً اختار له أصحابه شجرة يقيل تحتها ، فأتاه أعرابي فاخترط سيفه ثم قال : من يمنعك مني ؟ فقال : الله عز و جل فرعدت يد الأعرابي ، و سقط سيفه ، و ضرب برأسه الشجرة حتى سال دماغه ، فنزلت الآية .
و قد رويت هذه القصة في الصحيح ، و أن غورث بن الحارث صاحب هذه القصة ، و أن النبي صلى الله عليه و سلم عفا عنه ، فرجع إلى قومه ، و قال : جئتكم من عند خير الناس .
و قد حكيت مثل هذه الحكاية ، و أنها جرت له يوم بدر ، و قد انفرد من أصحابه لقضاء حاجته ، فتبعه رجل من المنافقين ... و ذكر مثله .
و قد روي أنه وقع له مثلها في غزوة غطفان بذي أمر ، مع رجل اسمه دعثور بن الحارث ، و أن [ 125 ] الرجل أسلم ، فلما رجع إلى قومه الذين أغروه ـ و كان سيدهم و أشجعهم ـ قالوا له : أين ما كنت تقول ، و قد أمكنك ؟ فقال : إني نظرت إلى رجل أبيض طويل دفع في صدري ، فوقعت لظهري ، و سقط السيف ، فعرفت أنه ملك ، و أسلمت .
و فيه نز لت : يا أيها الذين آمنوا اذكروا نعمة الله عليكم إذ هم قوم أن يبسطوا إليكم أيديهم فكف أيديهم عنكم واتقوا الله وعلى الله فليتوكل المؤمنون [ سورة المائدة / 5 ، الآية : 11 ] .
و في رواية الخطابي أن غورث بن الحارث المحاربي أراد أن يفتك بالنبي صلى الله عليه و سلم ، فلم يشعر به إلا و هو قائم على رأسه منتضياً سيفه ، فقال : اللهم اكفنيه بما شئت ، فانكب من وجهه من زلخة زلخها بين كتفيه ، و نذر سيفه من يده .
الزلخة : وجع الظهر .
و قيل في قصته غير هذا ، و ذكر فيه نزلت : يا أيها الذين آمنوا اذكروا نعمة الله عليكم إذ هم قوم أن يبسطوا إليكم أيديهم فكف أيديهم عنكم واتقوا الله وعلى الله فليتوكل المؤمنون [ سورة المائدة / 5 ، الآية : 11 ] .
و قيل : كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يخاف قريشاً ، فلما نزلت هذه الآية استلقى ، ثم قال : من شاء فليخذلني .
و ذكر عبد بن حميد ، قال : كانت حمالة الحطب تضع العضاه ـ و هي جمر ـ على طريق رسول الله صلى الله عليه و سلم فكأنما يطؤها كثيباً أهيل .
و ذكر ابن اسحاق عنها أنها لما بلغها نزول : تبت يدا أبي لهب وتب ، و ذكرها بما ذكرها الل ه مع زوجها من الذم ـ أنت رسول الله صلى الله عليه و سلم و هو جالس في المسجد و معه أبو بكر ، و في يدها فهر من الحجارة .
فلما وقفت عليهما لم تر إلا أبا بكر ، و أخذ الله تعالى ببصرها عن نبيه صلى الله عليه و سلم ، فقالت : يا أبا بكر ، أين صاحبك ؟ فقد بلغني أنه يهجوني ، و الله لو وجدته لضربت بهذا الفهر فاه .
و عن الحكم بن أبي العاصي : تواعدنا على النبي صلى الله عليه و سلم حتى إذا رأيناه سمعنا صوتاً خلفنا ما ظننا أنه بقي بتهامة أحد ، فوقعنا مغشياً علينا ، فما أفقنا حتى قضى صلاته و رجع إلى أهله .
ثم تواعدنا ليلة أخرى ، فجئنا حتى إذا رأيناه جاءت الصفا و المروة ، فحالت بيننا و بينه .
و عن عمر رضي الله عنه : تواعدت أنا و أبو جهم بن حذيفة ليلة قتل رسول الله صلى الله عليه و سلم ، فجئنا منزله ، فسمعنا له ، فافتح و قرأ : الحاقة * ما الحاقة إلى : فهل ترى لهم من باقية [ سورة الحافة / 69 ، الآيات : 1 ، 8 ] .
فضرب أبو جهم على عضد عمر ، و قال : انج ، و فرا هاربين ، فكانت من مقدمات إسلام عمر رضي الله عنه .
و منه العبرة المشهورة ، و الكفاية التامة عندما أخافته قريش ، و أجمعت على قتله و بيتوه ، فخرج عليهم من بيته ، فقام على رؤوسهم ، و قد ضرب الله تعالى على أبصارهم ، و ذر التراب على رؤوسهم ، و خلص منهم .
و حمايته عن رؤيتهم في الغار بما هيأ الله له من الآيات ، و من العنكبوت الذي نسج عليه ، حتى قال أمية بن خلف ـ حين قالوا : تدخل الغار : ما أربكم فيه ، و عليه من نسج العنكبوت ما أرى أنه قبل أن يولد محمد .
و وقعت حمامتان على فم الغار ، فقالت قريش : لو كان فيه أحد لما كانت هناك الحمام .
و قصته مع سراقة بن مالك بن جعشم حين الهجرة ، و قد جعلت قريش فيه و في أبي بكر الجعائل ، فأنذر به ، فركب فرسه و اتبعه حتى إذا قرب مه دعا عليه النبي صلى الله عليه و سلم ، فساخت قوائم فرسه ، فخر عنها ، و استقسم ، بالأزلام ، فخرج له ما يكره .
ثم ركب و دنا حتى سمع قراءة النبي صلى الله عليه و سلم ، و هو لا يلفت ، و أبو بكر رضي الله عنه يلتفت فقال للنبي صلى الله عليه و سلم : أتينا . فقال : لا تحزن إن الله معنا فساخت ثانية إلى ركبتها ، و خر عنها ، فزجرها فنهضت و لقوئمها مثل الدخان ، فناداهم بالأمان ، فكتب له النبي صلى الله عليه و سلم أماناً ، كتبه ابن فهيرة ، و قيل أبو بكر ، و أ خبرهم بالأخبار ، و أمره النبي صلى الله عليه و سلم ألا يترك أحداً يلحق بهم .
فانصرف يقول للناس : كفيتم ما ها هنا .
و قيل : بل قال لهما : أراكما دعوتما علي ، فادعوا لي .
فنجا ، و وقع في نفسه ظهور النبي صلى الله عليه و سلم .
و في خبر آخر : أن راعياً عرف خبرهما ، فخرج يشتد ، يعلم قريشاً ، فلما ورد مكة ضرب على قلبه ، فما يدري ما يصنع ، و أنسي ما خرج له حتى رجع إلى موضعه .
و جاءه ـ فيما ذكر ابن إسحاق و غيره ـ أبو جهل ، بصخرة و هو ساجد ، و قريش ينظرون ، ليطرحها عليه ، فلزقت بيده ، و بست يداه إلى عنقه ، و أقبل يرجع القهقرى إلى خلفه ، ثم سأله أن يدعو له ، ففعل ، فانطلقت يداه ، و كان قد تواعد مع قريش بذلك ، و حلف لئن رآه ليدمغنه ، فسألوه عن شأنه ، فذكر أنه عرض لي دونه فحل ، ما رأيت مثله قط ، هم بي أن يأكلني .
فقال النبي صلى الله عليه و سلم : ذاك جبريل ، لو دنا لأخذه .
و ذكر السمرقندي أن رجلاً من بني المغيرة أتى النبي صلى الله عليه و سلم ليقتله ، فطمس الله على بصره ، فلم ير النبي صلى الله عليه و سلم ، و سمع قوله ، فرجع إلى أصحابه فلم يرهم حتى نادوه .
و ذكر أن هاتين القصت ين ، نزلت : إنا جعلنا في أعناقهم أغلالا فهي إلى الأذقان فهم مقمحون * وجعلنا من بين أيديهم سدا ومن خلفهم سدا فأغشيناهم فهم لا يبصرون [ سورة يس/ 36 ، الآية : 8 ، 9 ]
و من ذلك ما ذكره ابن أسحاق ، و غيره في قصته ، إذ خرج إلى بني قريظة ، في أصحابه ، فجلس إلى جدار بعض آطامهم ، فانبعث عمرو بن جحاش أحدهم ليطرح عليه رحى ، فقام النبي صلى الله عليه و سلم فانصرف إلى المدينة و أعلمهم بقصتهم .
و قد قيل : أن قوله تعالى : يا أيها الذين آمنوا اذكروا نعمة الله عليكم إذ هم قوم أن يبسطوا إليكم أيديهم فكف أيديهم عنكم واتقوا الله وعلى الله فليتوكل المؤمنون في هذه القصة نزلت .
و حكى السمرقندي أنه خرج إلى بني النضير يستعين في عقل الكلابيين اللذين قتلهما عمرو بن أمية ، فقال له حيي بن أخطب : اجلس يا أبا القاسم حتى نطعمك ونعطيك ما سألتنا .
فجلس النبي صلى الله عليه و سلم مع أبي بكر و عمر رضي الله عنهما ، و توامر حيي معهم على قتله ، فأعلم جبريل عليه السلام النبي صلى الله عليه و سلم بذلك ، فقام كأنه يريد حاجته حتى دخل المدينة .
و ذكر أهل التفسير و الحديث ، عن أبي هريرة رضي الله عنه ـ أن أبا جهل وعد قريشاً لئن رأى محمداً يصلي ليطأن رقبته .
فلما صلى النبي صلى الله عليه و سلم أعلموه ، فأقبل ، فلما قرب منه ولى هارباً ناكصاً على [ 127 ] عقبيه ، متقياً بيديه ، فسئل فقال : لما دنوت منه أشرقت على خندق مملوء ناراً كدت أهوي فيه ، و أبصرت هولاً عظيماً ، و خفق أجنحة قد ملأت الأرض .
فقال النبي صلى الله عليه و سلم : تلك الملائكة ، لو دنا لا ختطفته عضواً عضواً .
ثم أنزل على النبي صلى الله عليه و سلم : كلا إن الإنسان ليطغى * أن رآه استغنى * إن إلى ربك الرجعى * أرأيت الذي ينهى * عبدا إذا صلى * أرأيت إن كان على الهدى * أو أمر بالتقوى * أرأيت إن كذب وتولى * ألم يعلم بأن الله يرى * كلا لئن لم ينته لنسفعا بالناصية * ناصية كاذبة خاطئة * فليدع ناديه * سندع الزبانية * كلا لا تطعه واسجد واقترب [ سورة العلق/ 96 ، الآية : 6 ، 9 ]
و روي أن شيبة بن عثمان الحجبي أدركه يوم حنين ، و كان حمزة قد تقل أباه و عمه ، فقال : اليوم أدرك ثأري من محمد .
فلما اختلط الناس أتاه من خلفه ، و رفع سيفه ليصبه عليه ، قال : فلما دنوت منه ارتفع إلي شواظ من نار أسرع من البرق ، فوليت هارباً ، و أحس بي النبي صلى الله عليه و سلم فدعاني ، فوضع يده على صدري ، و هو أبغض الخلق إلي ، فما رفعها إلا و هو أحب الخلق إلي ، [ و قال لي : ادن فقاتل فتقدمت أمامه أضرب بسيفي و أقيه بنفسي ، و لو لقيت أبي تلك الساعة لأوقعت به دونه ] .
و عن فضالة بن عمرو : أردت قتل النبي صلى الله عليه و سلم عام الفتح ، و هو يطوف بالبيت ، فلما دنوت منه قال : أفضالة ؟ قلت : نعم . قال : ما كنت تحدث به نفسك ؟ قلت : لا شيء . فضحك و استغفر لي ، و وضع يده على صدري ، فسكن قلبي ، فو الله ما رفعها حتى ما خلق الله شيئاً أحب إلي منه .
ومن مشهور ذلك خبر عامر بن الطفيل ، و أربد بن قيس ـ حين و فدا على النبي صلى الله عليه و سلم ، و كان عامر قال له : أنا أشغل عنك وجه محمد فاضربه أنت . فلم يره فعل شئياً ، فلما كلمه في ذلك قال له : و الله ما هممت أن أضربه إلا وجدتك بيني و بينه ، أفأضربك .
و من عصمته له تعالى أن كثيراً من اليهود و الكهنة أنذروا به و عينوه لقريش ، و أخبرهم بسطوته بهم ، و حضوهم عل قتله ، فعصمه الله تعالى حتى بلغ فيه أمره .
و من ذلك نصره بالرعب أمامه مسيرة شهر ، كما قال صلى الله عليه و سلم .
.::منقوووووووول::.
في عصمة الله تعالى له من الناس
و قال الله تعالى : والله يعصمك من الناس [ سورة المائدة / 5 ، الآية : 67 ] .
و قال تعالى : واصبر لحكم ربك فإنك بأعيننا [ سورة الطور / 52 ، الآية : 48 ] .
و قال : أليس الله بكاف عبده [ سورة الزمر /39 ، الآية : 36 ] .
و قيل : بكاف محمداً صلى الله عليه و سلم أعداءه المشركين . و قيل غير هذا .
و قال : إنا كفيناك المستهزئين [ سورة الحجر / 15 ، الآية : 95 ] .
و قال : وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك أو يقتلوك أو يخرجوك ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين [ سورة الأنفال / 8 ، الآية : 30 ] .
أخبرنا القاضي الشهيد أبو علي الصدفي بقرائتي عليه ، و الفقيه الحافظ أبو بكر محمد عبد الله المعافري ، قالا : حدثنا أبو الحسن الصيرفي ، قال : حدثنا أبو يعلى البغدادي ، حدثنا أبو علي السنجي ، حدثنا أبو العباس المروزي ، حدثنا أبو عيسى الحافظ ، حدثنا عبد بن حميد ، حدثنا مسلم بن إبراهيم ، حدثنا الحارث بن عبيد ، عن سعيد الجريري ، عن عبد الله بن شفيق ، عن عائشة رضي الله عنها ، قالت : كان النبي صلى الله عليه و سلم يحرس حتى نزلت هذه الآية : والله يعصمك من الناس ـ فأخرج رسول الله صلى الله عليه و سلم رأسه من القبة ، فقال لهم : يأيها الناس ، انصرفوا ، فقد عصمني ربي عز وجل .
و روى أن النبي صلى الله عليه و سلم كان إذا نزل منزلاً اختار له أصحابه شجرة يقيل تحتها ، فأتاه أعرابي فاخترط سيفه ثم قال : من يمنعك مني ؟ فقال : الله عز و جل فرعدت يد الأعرابي ، و سقط سيفه ، و ضرب برأسه الشجرة حتى سال دماغه ، فنزلت الآية .
و قد رويت هذه القصة في الصحيح ، و أن غورث بن الحارث صاحب هذه القصة ، و أن النبي صلى الله عليه و سلم عفا عنه ، فرجع إلى قومه ، و قال : جئتكم من عند خير الناس .
و قد حكيت مثل هذه الحكاية ، و أنها جرت له يوم بدر ، و قد انفرد من أصحابه لقضاء حاجته ، فتبعه رجل من المنافقين ... و ذكر مثله .
و قد روي أنه وقع له مثلها في غزوة غطفان بذي أمر ، مع رجل اسمه دعثور بن الحارث ، و أن [ 125 ] الرجل أسلم ، فلما رجع إلى قومه الذين أغروه ـ و كان سيدهم و أشجعهم ـ قالوا له : أين ما كنت تقول ، و قد أمكنك ؟ فقال : إني نظرت إلى رجل أبيض طويل دفع في صدري ، فوقعت لظهري ، و سقط السيف ، فعرفت أنه ملك ، و أسلمت .
و فيه نز لت : يا أيها الذين آمنوا اذكروا نعمة الله عليكم إذ هم قوم أن يبسطوا إليكم أيديهم فكف أيديهم عنكم واتقوا الله وعلى الله فليتوكل المؤمنون [ سورة المائدة / 5 ، الآية : 11 ] .
و في رواية الخطابي أن غورث بن الحارث المحاربي أراد أن يفتك بالنبي صلى الله عليه و سلم ، فلم يشعر به إلا و هو قائم على رأسه منتضياً سيفه ، فقال : اللهم اكفنيه بما شئت ، فانكب من وجهه من زلخة زلخها بين كتفيه ، و نذر سيفه من يده .
الزلخة : وجع الظهر .
و قيل في قصته غير هذا ، و ذكر فيه نزلت : يا أيها الذين آمنوا اذكروا نعمة الله عليكم إذ هم قوم أن يبسطوا إليكم أيديهم فكف أيديهم عنكم واتقوا الله وعلى الله فليتوكل المؤمنون [ سورة المائدة / 5 ، الآية : 11 ] .
و قيل : كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يخاف قريشاً ، فلما نزلت هذه الآية استلقى ، ثم قال : من شاء فليخذلني .
و ذكر عبد بن حميد ، قال : كانت حمالة الحطب تضع العضاه ـ و هي جمر ـ على طريق رسول الله صلى الله عليه و سلم فكأنما يطؤها كثيباً أهيل .
و ذكر ابن اسحاق عنها أنها لما بلغها نزول : تبت يدا أبي لهب وتب ، و ذكرها بما ذكرها الل ه مع زوجها من الذم ـ أنت رسول الله صلى الله عليه و سلم و هو جالس في المسجد و معه أبو بكر ، و في يدها فهر من الحجارة .
فلما وقفت عليهما لم تر إلا أبا بكر ، و أخذ الله تعالى ببصرها عن نبيه صلى الله عليه و سلم ، فقالت : يا أبا بكر ، أين صاحبك ؟ فقد بلغني أنه يهجوني ، و الله لو وجدته لضربت بهذا الفهر فاه .
و عن الحكم بن أبي العاصي : تواعدنا على النبي صلى الله عليه و سلم حتى إذا رأيناه سمعنا صوتاً خلفنا ما ظننا أنه بقي بتهامة أحد ، فوقعنا مغشياً علينا ، فما أفقنا حتى قضى صلاته و رجع إلى أهله .
ثم تواعدنا ليلة أخرى ، فجئنا حتى إذا رأيناه جاءت الصفا و المروة ، فحالت بيننا و بينه .
و عن عمر رضي الله عنه : تواعدت أنا و أبو جهم بن حذيفة ليلة قتل رسول الله صلى الله عليه و سلم ، فجئنا منزله ، فسمعنا له ، فافتح و قرأ : الحاقة * ما الحاقة إلى : فهل ترى لهم من باقية [ سورة الحافة / 69 ، الآيات : 1 ، 8 ] .
فضرب أبو جهم على عضد عمر ، و قال : انج ، و فرا هاربين ، فكانت من مقدمات إسلام عمر رضي الله عنه .
و منه العبرة المشهورة ، و الكفاية التامة عندما أخافته قريش ، و أجمعت على قتله و بيتوه ، فخرج عليهم من بيته ، فقام على رؤوسهم ، و قد ضرب الله تعالى على أبصارهم ، و ذر التراب على رؤوسهم ، و خلص منهم .
و حمايته عن رؤيتهم في الغار بما هيأ الله له من الآيات ، و من العنكبوت الذي نسج عليه ، حتى قال أمية بن خلف ـ حين قالوا : تدخل الغار : ما أربكم فيه ، و عليه من نسج العنكبوت ما أرى أنه قبل أن يولد محمد .
و وقعت حمامتان على فم الغار ، فقالت قريش : لو كان فيه أحد لما كانت هناك الحمام .
و قصته مع سراقة بن مالك بن جعشم حين الهجرة ، و قد جعلت قريش فيه و في أبي بكر الجعائل ، فأنذر به ، فركب فرسه و اتبعه حتى إذا قرب مه دعا عليه النبي صلى الله عليه و سلم ، فساخت قوائم فرسه ، فخر عنها ، و استقسم ، بالأزلام ، فخرج له ما يكره .
ثم ركب و دنا حتى سمع قراءة النبي صلى الله عليه و سلم ، و هو لا يلفت ، و أبو بكر رضي الله عنه يلتفت فقال للنبي صلى الله عليه و سلم : أتينا . فقال : لا تحزن إن الله معنا فساخت ثانية إلى ركبتها ، و خر عنها ، فزجرها فنهضت و لقوئمها مثل الدخان ، فناداهم بالأمان ، فكتب له النبي صلى الله عليه و سلم أماناً ، كتبه ابن فهيرة ، و قيل أبو بكر ، و أ خبرهم بالأخبار ، و أمره النبي صلى الله عليه و سلم ألا يترك أحداً يلحق بهم .
فانصرف يقول للناس : كفيتم ما ها هنا .
و قيل : بل قال لهما : أراكما دعوتما علي ، فادعوا لي .
فنجا ، و وقع في نفسه ظهور النبي صلى الله عليه و سلم .
و في خبر آخر : أن راعياً عرف خبرهما ، فخرج يشتد ، يعلم قريشاً ، فلما ورد مكة ضرب على قلبه ، فما يدري ما يصنع ، و أنسي ما خرج له حتى رجع إلى موضعه .
و جاءه ـ فيما ذكر ابن إسحاق و غيره ـ أبو جهل ، بصخرة و هو ساجد ، و قريش ينظرون ، ليطرحها عليه ، فلزقت بيده ، و بست يداه إلى عنقه ، و أقبل يرجع القهقرى إلى خلفه ، ثم سأله أن يدعو له ، ففعل ، فانطلقت يداه ، و كان قد تواعد مع قريش بذلك ، و حلف لئن رآه ليدمغنه ، فسألوه عن شأنه ، فذكر أنه عرض لي دونه فحل ، ما رأيت مثله قط ، هم بي أن يأكلني .
فقال النبي صلى الله عليه و سلم : ذاك جبريل ، لو دنا لأخذه .
و ذكر السمرقندي أن رجلاً من بني المغيرة أتى النبي صلى الله عليه و سلم ليقتله ، فطمس الله على بصره ، فلم ير النبي صلى الله عليه و سلم ، و سمع قوله ، فرجع إلى أصحابه فلم يرهم حتى نادوه .
و ذكر أن هاتين القصت ين ، نزلت : إنا جعلنا في أعناقهم أغلالا فهي إلى الأذقان فهم مقمحون * وجعلنا من بين أيديهم سدا ومن خلفهم سدا فأغشيناهم فهم لا يبصرون [ سورة يس/ 36 ، الآية : 8 ، 9 ]
و من ذلك ما ذكره ابن أسحاق ، و غيره في قصته ، إذ خرج إلى بني قريظة ، في أصحابه ، فجلس إلى جدار بعض آطامهم ، فانبعث عمرو بن جحاش أحدهم ليطرح عليه رحى ، فقام النبي صلى الله عليه و سلم فانصرف إلى المدينة و أعلمهم بقصتهم .
و قد قيل : أن قوله تعالى : يا أيها الذين آمنوا اذكروا نعمة الله عليكم إذ هم قوم أن يبسطوا إليكم أيديهم فكف أيديهم عنكم واتقوا الله وعلى الله فليتوكل المؤمنون في هذه القصة نزلت .
و حكى السمرقندي أنه خرج إلى بني النضير يستعين في عقل الكلابيين اللذين قتلهما عمرو بن أمية ، فقال له حيي بن أخطب : اجلس يا أبا القاسم حتى نطعمك ونعطيك ما سألتنا .
فجلس النبي صلى الله عليه و سلم مع أبي بكر و عمر رضي الله عنهما ، و توامر حيي معهم على قتله ، فأعلم جبريل عليه السلام النبي صلى الله عليه و سلم بذلك ، فقام كأنه يريد حاجته حتى دخل المدينة .
و ذكر أهل التفسير و الحديث ، عن أبي هريرة رضي الله عنه ـ أن أبا جهل وعد قريشاً لئن رأى محمداً يصلي ليطأن رقبته .
فلما صلى النبي صلى الله عليه و سلم أعلموه ، فأقبل ، فلما قرب منه ولى هارباً ناكصاً على [ 127 ] عقبيه ، متقياً بيديه ، فسئل فقال : لما دنوت منه أشرقت على خندق مملوء ناراً كدت أهوي فيه ، و أبصرت هولاً عظيماً ، و خفق أجنحة قد ملأت الأرض .
فقال النبي صلى الله عليه و سلم : تلك الملائكة ، لو دنا لا ختطفته عضواً عضواً .
ثم أنزل على النبي صلى الله عليه و سلم : كلا إن الإنسان ليطغى * أن رآه استغنى * إن إلى ربك الرجعى * أرأيت الذي ينهى * عبدا إذا صلى * أرأيت إن كان على الهدى * أو أمر بالتقوى * أرأيت إن كذب وتولى * ألم يعلم بأن الله يرى * كلا لئن لم ينته لنسفعا بالناصية * ناصية كاذبة خاطئة * فليدع ناديه * سندع الزبانية * كلا لا تطعه واسجد واقترب [ سورة العلق/ 96 ، الآية : 6 ، 9 ]
و روي أن شيبة بن عثمان الحجبي أدركه يوم حنين ، و كان حمزة قد تقل أباه و عمه ، فقال : اليوم أدرك ثأري من محمد .
فلما اختلط الناس أتاه من خلفه ، و رفع سيفه ليصبه عليه ، قال : فلما دنوت منه ارتفع إلي شواظ من نار أسرع من البرق ، فوليت هارباً ، و أحس بي النبي صلى الله عليه و سلم فدعاني ، فوضع يده على صدري ، و هو أبغض الخلق إلي ، فما رفعها إلا و هو أحب الخلق إلي ، [ و قال لي : ادن فقاتل فتقدمت أمامه أضرب بسيفي و أقيه بنفسي ، و لو لقيت أبي تلك الساعة لأوقعت به دونه ] .
و عن فضالة بن عمرو : أردت قتل النبي صلى الله عليه و سلم عام الفتح ، و هو يطوف بالبيت ، فلما دنوت منه قال : أفضالة ؟ قلت : نعم . قال : ما كنت تحدث به نفسك ؟ قلت : لا شيء . فضحك و استغفر لي ، و وضع يده على صدري ، فسكن قلبي ، فو الله ما رفعها حتى ما خلق الله شيئاً أحب إلي منه .
ومن مشهور ذلك خبر عامر بن الطفيل ، و أربد بن قيس ـ حين و فدا على النبي صلى الله عليه و سلم ، و كان عامر قال له : أنا أشغل عنك وجه محمد فاضربه أنت . فلم يره فعل شئياً ، فلما كلمه في ذلك قال له : و الله ما هممت أن أضربه إلا وجدتك بيني و بينه ، أفأضربك .
و من عصمته له تعالى أن كثيراً من اليهود و الكهنة أنذروا به و عينوه لقريش ، و أخبرهم بسطوته بهم ، و حضوهم عل قتله ، فعصمه الله تعالى حتى بلغ فيه أمره .
و من ذلك نصره بالرعب أمامه مسيرة شهر ، كما قال صلى الله عليه و سلم .
.::منقوووووووول::.